نزلت سورة الإسراء قبل الهجرة بسنة.
وجاءت الآية الأولى من السورة لتتحدث عن حادثة الإسراء بالرسول، صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
ويدهشك أنّ الآيات التي تلي تتحدث في بعدٍ غيبي يتعلق بمسألة ستأتي بعد قرون، ألا وهي القضيّة الفلسطينيّة، وهذا يعني أنّ هذا الصراع المستقبلي سيشكّل في حينهِ حدثا في غاية الأهميّة بالنسبة للبشريّة. ولا ننسى أنّ فلسطين هي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، كما جاء في سورة الأنبياء:" ونجّيناهُ ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين". جاء في الآية الثالثة من سورة الإسراء:" ذريّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبداً شكوراً ".
وقد جاء في القرآن الكريم أنّ كلّ من حُمِل مع نوح، عليه السلام، كان مؤمناً. وعليه، فما هي الإشارات التي تحملها عبارة:" ذُريّة من حملنا مع نوح…"، ولماذا لم تكن:" ذُريّة من آمن مع نوح "؟! يمكن للمفسّر أن يذهب في ذلك مذاهب شتّى، ويبقى كلام الله فوق كلام كل حكيم.
ولكننا هنا ندلي برأي له ارتباط بواقع الناس المعاصر؛ فنوح، عليه السلام، بنى السفينة بأمر الله ووحيه، كما جاء في سورة هود:" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا"، ويبدو أنّ المكان الذي صُنعت فيه السفينة كان بعيداً عن البحر، ويبدو أنّ كل ما يحيط بالمكان يجعل بناء نوح، عليه السلام، للسفينة أمراً مستغرباً داعياً للاستهزاء. جاء في سورة هود:" ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخِروا منه"، وهذا أمر مفهوم، فهم لا يملكون البعد الغيبي ليدركوا الحكمة من بناء السفينة في ذلك المكان. وأنّى لهم ذلك وعقيدتهم الوثنية ترهن عقولهم للواقع المحسوس. واليوم نجد أنّ الأحداث في العالم تتسارع، والعواصف، التي تعصف بالناس، تجعل الكثيرين في حالة من الحيرة.
وقد يصل البعض إلى حالة اليأس والإحباط، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين لا يملكون البعد الغيبي الذي تنـزّلت به الرسالات؛ فالعقيدة الماديّة تأسرُ صاحبها في سجن عالم الشهادة الآنيّ، ومن هنا تكون الأحكام والمواقف والقناعات متأثرة بثقل وطأة الواقع المحسوس.... سورة الإسراء ثريّة بمعالجات الأبعاد الغيبيّة المتعلقة بأمّة الإسلام والرسالة الإسلاميّة. وعندما نضيف إليها سورة الكهف التي تليها تتجلّى لنا هذه الأبعاد بصورة أوضح. وما أحوج الناس اليوم إلى تدبّر معاني السورتين في مثل هذه الأجواء التي تحيط بنا.
كيف لا، والعواصف تعصف بالكثير من حقائق الواقع التي كانت تبدو راسخة. ويبقى الوحي الكريم هو الطبيب الوحيد الذي يلامس القلوب المؤمنة، فيزيل ما بها من شوائب الشك والحيرة والتردد. وما أجملَ أن تتعلق القلوبُ بالأمل الذي مصدره اليقين: " كتب اللهُ لأغلبنَّ أنا ورسلي…".
No Comments