قولٌ في الحضارة والمدنيّة:يمكن أن نُعرّف الحضارة تعريفاً مبسطاً بقولنا: الحضارة هي كل ما أنتجه الإنسان في عالم الفكر والمادّة.
ونقصد بالفكر العلم والثقافة، كالفيزياء والكيمياء والآداب وعلم التربية...ألخ. ونقصد بالمادّة الجانب المحسوس من الحضارة، أي ما يسمى بالمدنيّة، كالبيت والمصنع والثوب...ألخ. فالمدنيّة هي كل ما أنتجه الإنسان في عالم المادّة. وإذا كانت المدنيّة متأثّرة بالثقافة تكون عندها مدنيّة خاصّة وتلحق بعالم الثقافة، وإلا فهي مدنيّة عامّة.
من هنا تُعتبر الفنون وأنماط البناء والأزياء من الثقافة؛ فصناعة القماش، مثلاً، مدنية عامّة تقوم على أساس
العلم العام، ولكن عندما يتحول هذا القماش إلى زي فإنّه يُصبح مدنيّة خاصّة، لأنّه يتأثر بوجهة النظر الخاصّة، أي بالثقافة.
من هنا ندرك أنّ الأزياء ليست مجرد شكل، بل هي في جوهرها تُعبّر عن الثقافة التي تختبئ من وراء الشكل.
لذلك نجد أنّ الإسلام ينهى عن التشبّه بأهل الفكر المنحرف حتى في أزيائهم. ويمكننا، على ضوء ما سلف، أن نقول بأنّ الزي الإسلامي هو الزي الذي ينبثق عن الثقافة الإسلاميّة، وبالتالي ينسجم مع قيم الإسلام ومبادئه.
وعليه فإن شروط الزي الإسلامي يمكن أن تنطبق على آلاف الأزياء التي قد تختلف من شعب إلى أخر. وما
يقال في الزي يقال أيضاً في أنماط البناء، فليس النمط الإسلامي في البناء هو ما كان أقواساً وقباباً، بل هو كل نمط يراعي قيم الإسلام ومبادئه، وينبثق عن الثقافة الإسلاميّة. وما قلناه في الزي ونمط البناء نقوله في الفنون، فالفن الذي ينضبط بضوابط الشريعة الإسلاميّة ويراعي القيم الإسلاميّة يعتبر فناً إسلامياً، وكذلك الأمر في الأدب والشعر... من يتجول في شوارع روما القديمة، مثلاً، ويتأمل تماثيل القديسين والعظماء، التي تنتشر في الشوارع والساحات، يدرك بأنّ الحضارة التي أنجبت هذه المدينّة هي حضارة ذات جذور وثنيّة تقدّس الصنم وتُعلي من قيمة الوثن.
والمتأمل لهذه التماثيل يدرك أيضاً بأنّ هذه الحضارة تُقدّم القيم الجماليّة على القيم الأخلاقيّة. أما من يسير في شوارع القدس القديمة، وساحات المسجد الأقصى المبارك، فإنّه لا بدّ أن يلاحظ أنّ الحضارة الإسلاميّة هي حضارة مُوَحِّدة، تُعلي من شأن الفكرة وتحطّ من قيمة الوثن، ويَلحظ أنها تُقدّم القيم الأخلاقيّة على القيم الجماليّة، ويُلحظ ذلك بشكل أوضح في عالم الأزياء وعالم الفنون والآداب.الثقافة إذن هي التي تعطي كلّ حضارة طعمها الخاص وبالتالي خصوصيتها.
وهي أساس الالتقاء والاختلاف بين الحضارات والأمم. وعليه فيمكننا كمسلمين أن ننهل من معين العلم من
كافة مصادره وموارده، أما في عالم الثقافة فلدينا ثقافة متميزة ومتفوقة على غيرها من الثقافات المعاصرة، أساسها التوحيد. وهي تُعلي من قيمة الفكرة وتنبذ الصنميّة والوثنيّة، وتُقدّم القيم الأخلاقيّة ولا تتنكر للقيم الجماليّة، بل تسمو بها.
وهي ثقافة متوازنة ومتناسقة، إنسانيّة الأهداف والوسائل، تعلي من قيمة الإنسان، عالميّة الأهداف أخلاقيّة الوسائل.
No Comments